المحسيري Admin
المساهمات : 731 تاريخ التسجيل : 10/07/2008 العمر : 28 الموقع : طبربور الاردن
| موضوع: التربية الايمانية الأربعاء يوليو 23, 2008 9:45 am | |
| التربية على الاعتدال :
فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في غداة العقبة، وهو على ناقته: (( القط لي حصى )) . قال ابن عباس : (( فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف ، فجعل ينفضهن في كفه، ويقول : أمثال هؤلاء فارموا ثم قال : يا أيها الناس، إياكم والغلو في الدين؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين )) رواه ابن ماجه برقم (3029) .
في هذا الموقف التربوي العظيم ظهر جلياً تربية الرسول صلى الله عليه وسلم على الاعتدال في العبادات، والنهي عن الغلو في الدين.
والقصد في العبادات معناه: أن لا يقصّر المسلم في عبادته مع مراعاة تجنب حمل النفس ما لا تطيقه .
وَلْيُعلم أن التربية على الاعتدال سبب قوي على الاستمرار والدوام على الأعمال والطاعات؛ لأن النفس مجبولة على الراحة ومطبوعة على الدعة؛ فإذا أرهقت نفسها بالأعمال الكثيرة والشاقة فإنها سرعان ما تتخلى عنها؛ بخلاف الأعمال المبنية على الاعتدال فإنها ميسرة على النفس، ومقبولة لديها.
وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم
لقد أمر الله جل وعلا المؤمنين بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر وطاعته فيما أمر واجتناب مانهى عنه وزجـر وألا يُعبد الله إلا بما شرع , قال الله تعالى (واتبعوه لعلكم تهتدون ). (الأعراف, ايه 158 ) . وقــال تعالى (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذرو فإن توليتم فاعلمو أنما على رسولنا البلاغ المبين ) . (المائدة , 92 ) وقال سبحانه (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) . (الأحزاب , 36 ) .
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم هي أحــد شرطــي قبول العمل . قال الفضل بن عياض ـ رحمــه الله ـ في قــوله تعــالى (ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) . (الملك , 2)قال :أخلصه وأصوبه . قالوا : ياأبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباًولم يكن خالص لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً, والخالص أن يكون لله,والصواب أن يكون على سنة الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ على وجوب اتباعه وطاعته . عن جـابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسـول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقول أما بعد , فإن خير حديث كتاب الله , وخير الهدى هـدى محمد وشر الأمور محدثاتها , وكــل بدعة ضلالة ) . (أخرجه الإمام مسلم )
وعن ابي هريرة ـ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كل أمتي يدخلون الجنة إلى من أبى . فقالو يارسـول الله ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ) . ( أخرجه البخاري ) .
امتثل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر نبيهم فكانو الأسوة الحسنة والقدوة المثلى وضربو أروع الامثلة لشدة إتباعهم لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم فهاهو عمـر بن الخطــاب ـ رضي الله عنه ـ يقول عندما أستلم الحجر في بداية الطواف: والله إني لأعلم أنك حجر لاتضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلمميقبلك ما قبلتك .
وعن يعلى بن أمية قال: طفت مع عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فلما كنت عند الركن الذي يلي البــاب مـن ما يلي الحجر أخذت بيــده ليستلم فقال: أما طفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت , بلى . قال: فهـل رأيته يستلمه . قلت. لا قال : فابعد عنه فإن لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة . ( رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح) .
عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا ً بعيداً فـإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضللاً بعيداً .
وقالت : أم المؤمنين عائشة , ـ رضـي الله عنـها ـ يـرحـم الله نساء المهـاجرات الأول , لما أنزل الله : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) . ( النور اية31 ) . شققن مروطهن فاختمرن بها . ( أخرجه البخاري ) .
وعلى ضوء ما تقدم فما هو واجب المسلم تجاه إتباع النبي صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره ؟
أن يحرص حرصاً شديداً على إتباعه و إمتثال أمره فإنها هي السعادة الحقيقية الـتي تسير بالنفس إلى جنة عرضها السماوات والأرض . وماهو واجب طلاب العلم والدعاة والمربين نحو إتباعه صلي الله عليه وسلم ؟
أن يتقوا الله جل وعلا في أنفسهم ويكونوا القدوة الحسنة والمثال الحي الواقعي لمدى التزامهم بإتباع النبي صلـى الله عليه وسلم ثم نقل سنته وطريقته صلى الله عليه وسلم للنــاس بالحكمة والموعضة الحسنة .
الاقتصاد في العبادة:
لقد شرعت العبادة في الإسلام لتستمر مع الفرد إلى مماته ، قال تعالى:{و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين}" أي استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات ، فامتثل صلى الله عليه و سلم أمر ربه ، فلم يزل دائباً في العبادة ، حتى أتاه اليقين من ربه صلى الله عليه و سلّم ، تسليماً كثيراً " [ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كـلام المنان ، السعدي ، (4/181)]
و مع رفيع منـزلة العبادة في الإسلام ، و علو كعبها ، إلا أن النبي صلى الله عليه و سلم قد وجّه بالاقتصاد فيها و عدم الغلو ؛ ذلك انّ سيرة النبي صلى الله عليه و سلم جاءت بالتوازن بين الجسم و العقل و الروح ، دون أن يطغى جانب على آخر.
وتحفل السنة النبوية بنماذج رائعة من الاقتصاد في العبادة ، و من ذلك ما يرويه أنس بن مالك – رضي الله عنه – فيقول :" دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم المسجد و حبل ممدود بين ساريتين ،فقال : ما هذا ؟ قالوا : لزينب تصلي فإذا كسلت أمسكت بـه ، فقال : حلّوه ، ثم قال : ليصلّ أحدكم نشاطه ، فإذا كسل أو فتر فليقعد" [أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين و قصرها ، باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك ، حديث رقم (784)]
و تروي عائشة – رضي الله عنها – نموذجاً آخر من سيرته صلى الله عليه و سلم فتقول:" لم يكن النبي صلى الله عليه و سلّم يصوم شهراً أكثر من شعبان ، فإنه كان يصوم شعبان كله ، و يقول خذوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا ، و أحبّ الصلاة إلى النبي صلى الله عليه و سلم ما دُووم عليها ، و إن قلت و كان إذا صلى صلاة داوم عليها" [ أخرجه البخاري في كتاب الصوم ، باب صوم شعبان ، (4/251) ، حديث رقم 1970]
فالعبرة ليست بكثرة العمل و إنما العبرة بدوامه ، فالعبادة في منظور التربية الإسلامية نشاط مصاحب للفرد في شتى أحواله ، و ليست محصورة في وقت دون وقت ، و في هذا الأثر البالغ في تزكية النفس.
فالعبادة في الإسلام لا عسر فيها و لا إرهاق ، و لا تستهلك كل وقت الإنسان و جهده ، و إنما تأخذ بالاعتدال و الوسطية بحيث تسهل على كل إنسان ديمومة الاتصال بخالقه .
سهام الليل الحمد لله القائل : } وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ { ( سورة غافر : من الآية 60 ) . والصلاة والسلام التامان الأكملان على سيدنا ونبينا محمدٍ بن عبد الله القائل : " ليس شيءٌ أكرم على الله تعالى من الدعاء " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 3370 ، ص 765 ) . وعلى آله وصحبه والتابعين ، ومن تبعهم بإحسان في كل زمانٍ ومكان ، أما بعد ؛
فقد ورد في تراثنا الإسلامي العظيم مُصطلح " سهام الليل " الذي يُقصد به رفع اليدين بالدعاء إلى الله تعالى ، والابتهال إليه سبحانه في خشوعٍ وخضوع وانكسار . وهذه السهام هي السلاح الفتّاك ، والقوة الكبرى التي لا يعرفها إلا المؤمنون الصادقون الذين تربوا على مائدة القرآن الكريم ، ونهلوا من معين التربية النبوية الصافي . كما أنه لا يُجيد استعمال هذه السهام إلا عباد الله المخلصون الذين يُطلقونها بأوتار العبادة وقِسي الدموع في وقت السحر ، ويرفعونها إلى الله تعالى فيُجيب من يشاء من عباده ، متى شاء ، بما شاء ، وكيفما شاء ، قال تعالى : } وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ { ( سورة البقرة : من الآية 186) .
نعم ، إنها تلك الدعوات الصادقة التي يطلقها عباد الله المخلصين بقلوب خاشعة ، ونفوس واثقة ، وألسنة صادقة ، وعيون دامعة ، وهم يرفعون أيديهم الطاهرة سائلين وراجين رب الأرض والسموات ، الذي يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء عمن ناداه .
قال الشاعر :
يا من يجيب دعاء المضطر في الظلم
يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
وما ذلك إلا لأن التربية النبوية العظيمة علمتنا أن الدعاء عبادة روحية عظيمة يلجأ فيها المخلوق الضعيف إلى الخالق العظيم ، بعد أن تنقطع به الأسباب وتنعدم عنده الحيل ، ولا يجد له ملجأ إلا إلى الله الواحد جل جلاله ، فيتوجه بقلبه وقالبه إلى الله سبحانه ليجد عنده ما لم يجد عند أحد من البشر . وما ذلك إلا لأن الدعاء أكرم شيء عند الله سبحانه لما جاء في الحديث عن أبي هريرة t عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس شيءٌ أكرمَ على الله سبحانه من الدُعاء " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 3829 ، ص 631 ) .
قال أهل العلم في سبب ذلك أن في الدعاء إظهار للفقر والعجز والتذلل والاعتراف بقوة الله سبحانه وقدرته . كما أن الدعاء عبادة يؤجر عليها فاعلها ويثاب ؛ وإن لم تحصل الإجابة ، والعجيب أن ترك الدعاء وعدم سؤال الله تكبراً واستغناءً أمرٌ لا يجوز في حق الله ، بل إنه ربما أغضب الله سبحانه على العبد ، قال الشاعر :
الله يغضب إن تركت سؤاله وترى ابن آدم حين يُسألُ يغضب
ولذلك جاء في الحديث عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن ربكم حييٌّ كريمٌ يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه، فيردّهما صفراً –أو قال : خائبتين " ( رواه ابن ماجة ، الحديث رقم 3865 ، ص 637 ) .
فيا إخوة الإسلام ، أين نحن من الدعاء ؟
وأين نحن من سؤال الله القادر على كل شيء ؟
ولماذا لا نرفع الأيدي في كل وقتٍ وحين ، إلى مالك الملك وملك الملوك سائلين و راجين ؟
ولما لا نلجأ إليه سبحانه وتعالى في السراء والضراء ؟
ولماذا لا ندعوه عز وجل في السر والعلن ؟
ولماذا لا نكثر من الدعاء الصادق ونتحرى أوقاته ؟
ولماذا لا نحرص على أن نتعلم شروطه وآدابه ؟
ولماذا لا نحسن استعمال الدعاء الذي أكرمنا الله وميَّزنا به عن غيرنا ، لاسيما وأن الدعاء هو العبادة كما صح في الحديث الشريف ، وأن كثرته علامة الإيمان ، ودليل اللجوء إلى الواحد الديّان ؟
وأختم بما يؤثر عن عملاق الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t أنه قال : " والله ما أحمل هم الإجابة فهي بيد العزيز القدير ، ولكني أحمل هم الدعاء وأنا العبد الفقير " . وفي هذا المعنى يقول الشاعر :
وإني لأدعو الله حتى كأنني*** أرى بجميل الظن ما الله صانع
(لا إله إلا اللّه محمدٌ رسولُ اللّه) إنَّ جملة (لا إله إلا الله) في دلالتها التوحيدية العظيمة تغرس في الإنسان أنه لا أحد يستحق التوجه إليه بالقلب والجوارح واللسان والأعمال غير الله تعالى، وذلك لأنه لا إله في الكون غير الله، وبالتالي فكل غيره عبدٌ له، فكيف أتجه للعبد وأترك المعبود، وكل شيء أصغر منه، فكيف أتجه إلى الصغير وأترك الكبير المتعال، وكل شيء مفتقر إليه، فكيف أتوجه للفقير وأترك الغني، وكل شيء متهالك ومنتهي فكيف أتوجه للمنتهي وأترك الباقي الذي لا يموت (كل شيءٍ هالكٌ إلا وجهَهُ) ، وكل شيء ناقص، فكيف أتوجه للناقص وأترك الكامل في كل شيء، فله الكمال المطلق سبحانه وتعالى، وكل شيء مشيئته تحت مشيئة الكبير المتعال، فكيف أتوجه إلى أحدٍ منهم وأترك صاحب المشيئة المطلقة (لا مُـعَقِّبَ لحكمه) (وما تشاءون إلا أن يشاء الله).
إن جملة (لا إله إلا الله) تؤكد لمن تمَعَّنَ فيها أنها تفك قيود العبودية من الإنسان للإنسان والمال والجاه والكبراء لتكون لواحدٍ أحد. لا يستحقها إلا هو تبارك وتعالى.
إنها تربي في الْمُتَفَهِّم لها العزة والكرامة والشجاعة؛ لإدراكه أن التذلل لغير الله تعالى مهانة، والخوف من غير الله تعالى فيما هو لله تعالى جُـبْناً وإحباطاً.
إنها تربي في الإنسان البذل والعطاء والجود والكرم، لإدراكه أن المعطي والرازق هو الله (لا إله إلا هو) ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء مَن لا يخشى الفقر.
إنها تربي في الإنسان الصدق والعدل والأمانة، لإدراكه الجازم بأن الله تعالى وحده هو المطلع عليه وهو الذي يُـثِيـبُه على صدقه وعدله وأمانته، ويعاقبه إن شاء على إهماله وتقصيره.
وأما جملة (محمد رسول الله) فهي تغرس في المُوَحِّد أن هذا النبي هو رسول رب العالمين، وما جاء به هو من عند الله تعالى، وأنه خير مَن أُرسِل بخير رسالة مِن عند خير مُرسِلٍ تبارك وتعالى.
فإن ذلك يؤكد لدى الموحد أن هذا النبي خيرُ الإنسانية، وأنه متصف بأكرم الصفات وأفضلها وأحسنها، وأنه هو القدوة البشرية التي يجب الإقتداء بها في كل شيء : عقيدةً وعبادةً وأخلاقاً في الأسرة والمجتمع وفي السوق والمدرسة وفي ميدان السياسة والاقتصاد والإدارة وفي وقت الشِّدة وفي المنشَط والمَكره.
إن جملة (محمد رسول الله) تعلِّم المُوَحِّد ما يلزم أن يكون عليه مع هذا النبي الكريم الذي اختاره الله تعالى من بين الناس أجمعين ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين.
فحقاً إن إدراك (لا إله إلا الله محمد رسول الله) تعلِّمُ الناس أجمعين خير العلم وأحسنَهُ وأفضَلَهُ، وتُرَبِّيهم أحسن التربية وأعمقها وأقدرها، فكم نحتاج من إدراك عميق لكيفية تعليم وتربية أنفسنا وأهلينا ومَن لهم حقٌ علينا لدلالات (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
| |
|